أخبار الأردن - آخر الأخبار المحلية والعالمية أخبار الأردن

خرقٌ في السياسة البريطانية: هل يستطيع كوربين فعلها؟

2025-08-07 1 مشاهدة محليات

ترجمة بتصرّف لهذا المقال المنشور بالإنجليزية في ذا واير، في 28 تموز الفائت. 

«ردًا على فشل حزب العمال في إحداث تغيير جذري» أعلن زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين، إلى جانب النائبة السابقة عن حزب العمال زارا سلطانة، تشكيل حزب يساري جديد. وتشير أحدث التقارير إلى أن أكثر من 650 ألف شخص سجلوا أسماءهم لدعم هذا الحزب.

بعد مرور عشر سنوات على فوزه برئاسة حزب العمال، وست سنوات على الإطاحة به عن قيادة الحزب من قبل الجناح اليميني المسيطر، يمثّل كوربين اليوم تحديًا مهمًا لمؤسسة حزب العمال ذات التوجه التكنوقراطي النخبوي الداعم للشركات الكبرى. وفي ظل سياق صراع شعبي في مواجهة السياسات النيوليبرالية، تبدو رسالته أكثر إلحاحًا اليوم على المستويين المحلي والعالمي من أي وقت مضى: التقشف [الاقتصادي] خيار سياسي وليس ضرورة، وعلى بريطانيا التوقف عن تسليح «إسرائيل» ودعم الشعب الفلسطيني، ووقف الاستعداد للحرب والتوسّع في حلف الناتو.

لكن هل التحدي الجديد كافٍ للتغلب على قوة المؤسسة التي طاردت كوربين بلا هوادة وشوهت سمعته وأخرجته من حزب العمّال، أم أن التاريخ سيكرر نفسه؟

لا يزال الوقت مبكرًا على الوصول لإجابة لهذا السؤال، لكن يمكن النظر إلى هذا التطور على أنه بادرة أمل نادرة في هذه الفترة المأساوية حقًا في السياسة العالمية.

تعتمد قدرة الحزب الجديد على تحقيق أهدافه على وحدة قيادته واستقرارها، وعلى موارده التنظيمية الأوسع، وردود فعل «المؤسّسة» الغاضبة التي اعتادت فرض إرادتها، إضافة إلى التحديات التي يواجهها أي حزب جديد في ظلّ النظام الانتخابي البريطاني القائم على الفوز بالأغلبية البسيطة، لا على نظام الأغلبية المطلقة. 

كما يعتمد مستقبل الحزب على ما يريد الحزب أن يكونه بالفعل. هل يهدف للفوز بالسلطة وتشكيل حكومة، أم لتشكيل كتلة برلمانية مؤثّرة ولكن صغيرة نسبيًا من النواب المدعومين بحركة جماهيرية قائمة على الاحتجاجات المستمرّة في الشوارع.

لكن ما هي آفاق الحزب الجديد اليوم؟

كان ترشّح كوربين عام 2015 بمثابة لحظة مضادة للهيمنة مفاجئة (وربما سابقة لأوانها)، لكنها حرّكت دعمًا شعبيًا لمواجهة التوافق النيوليبرالي، دون أن تستند إلى حركة جماهيرية منظمة. وقد أثارت حينها صدمةً في أوساط المؤسسة البريطانية، لدرجة أن بعض قادة الجيش هددوا بالتمرّد إن سعى كوربين كرئيس وزراء لإخراج بريطانيا من الناتو.

وُصفت الظاهرة آنذاك بـ«الكوربينمانيا» في إشارة إلى الحماس الكبير، خصوصًا من الشباب، وهو ما أدى لتجاوز عضوية حزب العمال آنذاك النصف مليون. وقتها كان الجمهور يهتف باسم كوربين في ملاعب كرة القدم، واستُقبل بحفاوة في مهرجانات جماهيرية مثل «غلاستنبري». ودفع كوربين وقتها النقاش العام نحو طرح مسألة حتمية التقشف، ونجح في الضغط على حكومة المحافظين الحاكمة وقتها لزيادة الإنفاق الاجتماعي.

ورغم أن كوربين فاز بـ40٪ من الأصوات في انتخابات 2016، و32٪ في 2019، أو ربما بسبب هذا الفوز، شنّ الحزب المحافظ الحاكم وقتها، وبعض زملاء كوربين في حزب العمّال، ووسائل الإعلام الجماهيرية حملة لتدميره وتشويه سمعته. وبحسب تقارير صحفية، فإن 75% من التغطية الإعلامية له كانت مشوِّهة أو مغرِضة، مما يجعله من أكثر السياسيين الذين تعرضوا لحملات تشويه في تاريخ بريطانيا.

هل يتسلل كوربين من جديد؟ 

فاز كير ستارمر برئاسة حزب العمال خلفًا لكوربين من خلال الإيحاء بأنه سينفّذ السياسات الشعبية التي طرحها كوربين، ومستفيدًا من الأضرار التي لحقت بالأخير بعد اتهامات بمعاداة السامية، وهي اتهامات اتضح لاحقًا أنه لا أساس لها من الصحة، وأنها إنما كانت جزءًا من حرب شنّها ضد كوربين الجناح اليميني في حزب العمال. 

وبعد فوزه الساحق في انتخابات 2024، اتضح سريعًا أن حكومته لن تقدّم سوى سياسات نيوليبرالية معتادة؛ أي دعم التحالف الأنغلو-أمريكي، وحلف شمال الأطلسي، وسياسات واشنطن تجاه «إسرائيل» وأوكرانيا. ومع ذلك أبرزت نتائج الانتخابات حالة استياء عام، وحماسة ضئيلة لبرنامج ستارمر، كما يتضح من انخفاض نسبة أصوات حزب العمال (20.4٪ من الناخبين، 33٪ من المصوتين)، و«الفوز الساحق» الذي لم يتحقق إلا بفضل نظام الأغلبية البسيطة.

في الوقت نفسه، شهدت الانتخابات نجاح عدد من المرشحين المستقلين المؤيدين لفلسطين، ومن بينهم كوربين، والذين شكلوا تحالفًا في مجلس العموم هو خامس أكبر تحالف فيه.

مع تزايد الدعم الشعبي للشعب الفلسطيني، ومعارضة تخفيضات ستارمر للإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وزيادة الإنفاق العسكري، والقيادة الاستبدادية لحزب العمال التي تطرد أو تعلّق عضوية نواب الحزب المعارضين، أصبح المسرح مهيئًا لظهور حزب جديد.

وعبر تحدي سياسات ستارمر، يستفيد كوربين من حالة الاستياء العامة هذه، رافضًا «استمرار الوضع على ما هو عليه»، وفي القلب من هذا المشهد تأتي قضية فلسطين بوصفها من القضايا الأخلاقية والأيديولوجية التي توفر نقطة ارتكاز قوية للحزب.

إن قدرة الحزب على تحدي السردية المهيمنة تعتمد على مدى قدرته على تجاوز الفئات المحدودة الضيقة وعلى الوصول إلى قطاعات أوسع من المجتمع. وقد أظهرت نسبة الإقبال المنخفضة في انتخابات 2024 (60%)، إلى جانب ضعف التفويض الشعبي لحزب العمال (20.4% من مجمل الناخبين)، أن المشهد السياسي مجزأ، وهو ما يوفّر حيزًا واسعًا أمام مشروع راديكالي جديد. ومع ذلك، لا يزال المنطق النيوليبرالي الراسخ قويًا مدعومًا من الإعلام والأحزاب السياسية الكبرى. كما أن العداء العميق لكوربين من قبل هذه القوى يشكّل عقبة كبيرة أمام إعادة تشكيل الوعي العام.اقرأ/ي أيضا:

  • معاداة السامية سلاحًا: «إسرائيل» في بريطانيا

يهدف حزب كوربين الجديد إلى تشكيل كتلة يسارية جديدة. ويشير نجاح المرشحين المستقلين والتمردات الداخلية في حزب العمال إلى وجود قاعدة جاهزة من اليساريين الساخطين والناخبين الشباب والأقليات. ويعتمد نجاح الحزب على توحيد كلّ هذه المجموعات في قوّة متماسكة.

خلال صعوده في قيادة حزب العمال عام 2015، استفاد كوربين من البنية التحتية للحزب، مثل النقابات. لكن هذه البنية التحتية غير متوفرة له اليوم في الحزب الجديد. كما أن نظام الأغلبية البسيطة المعتمد في البلاد سيشكّل لحزبه تحديًا مهمًا. وأخيرًا تشكّل الانقسامات الداخلية بين التيارات اليسارية المؤيدة له، وغياب دعم النقابات له، مسألة قد تضعف من تماسك الكتلة الداعمة له.

تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الحزب يحظى بدعم قوي، وخصوصًا بين الشباب، حيث أيد 33٪ من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا الحزب الجديد، متقدمًا على حزب الإصلاح البريطاني (24٪) وحزب العمال (18٪). ويمكن أن يترجم حصول الحزب على 10-15% من الأصوات على الصعيد الوطني إلى مكاسب كبيرة في الانتخابات المحلية في المناطق المستهدفة، لا سيما الدوائر الانتخابية الحضرية والأحياء التي يكثر فيها الطلاب.

وقد يلقى تركيز حزب كوربين على قضايا مثل إلغاء الحد الأقصى لمخصصات الطفلين، ومعارضة التقشف، وحظر بيع الأسلحة لإسرائيل، صدى في المناطق المؤيدة عادة لحزب العمال التي أصيبت بخيبة أمل من قيادة ستارمر، مما قد يؤدي إلى قلب المقاعد في مناطق مثل لندن وبرمنغهام ونيوكاسل.

استراتيجية طويلة الأمد أم أخرى انتخابية؟

في عام 2015، كانت استراتيجية كوربين تُركّز على العمل الأيديولوجي طويل الأمد بدلًا من تحقيق انتصار انتخابي فوري. تضمّن ذلك تحويل خطاب حزب العمال إلى اليسار، حتى لو كان النجاح الانتخابي غير مؤكد بسبب تحيز وسائل الإعلام وعداء الجناح اليميني للحزب. قد يتبنى حزب كوربين الجديد مقاربة مماثلة، من خلال بناء النفوذ عبر الحملات الشعبية وتنظيم المجتمعات المحلية ووسائل الإعلام البديلة. ومع ذلك، قد يواجه الحزب ضغوطًا لتحقيق مكاسب انتخابية سريعة، وهو أمر محفوف بالمخاطر بالنظر إلى النظام الانتخابي في المملكة المتحدة وموقف حزب العمال الراسخ.

تحقيق نجاحات ما قد يكون ممكنًا في حال ركّز الحزب على تحقيق انتصارات محلية مثل انتخابات المجالس المحلية، وفي حال ركز على التأثير الثقافي مثل حملات التضامن مع فلسطين وحملات مناهضة التقشّف. وقد أظهرت انتخابات 2024 أن المستقلّين يمكنهم الفوز في مقاعد مستهدفة بعينها، لكن توسيع نطاق ذلك على الصعيد الوطني أمر صعب.

يمكن لحزب كوربين الجديد أن يتحالف مع الحركات اليسارية العالمية، مستفيدًا من استمرار أزمة شرعية النهج النيوليبرالي، لكن انعزالية المملكة المتحدة، خصوصًا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهو الخروج الذي تبناه حزب العمال، قد يعقّد الأمر. ويمكن للحزب كذلك الاستفادة من شبكات التضامن الدولية المعنية بفلسطين وبمحاربة سياسات التقشّف، لكن الأولويات المحلية مثل تكاليف المعيشة والخدمات الصحية الوطنية ستسيطر على اهتمامات الناخبين. وهو ما يعني أهمية الموازنة ما بين الإطار العالمي الذي قد يجذب للحزب الناخبين الشباب وعالميي الاهتمام وما بين الإطار المحلي، حتى لا يبدو الحزب وكأنه يركز على قضية واحدة فقط.

يتمتع الحزب الجديد بإمكانات كبيرة، لكنه يواجه تحديات جسيمة. تكمن قوة جيريمي كوربين في قدرته على إلهام حركة، لكن ترجمة ذلك إلى حزب قابل للحياة تتطلب التغلب على القوى المهيمنة نفسها التي دمّرت قيادته لحزب العمال. لكن الفارق اليوم أن تلك القوى فقدت مصداقيتها في أوساط اليسار، ويُنظر إليها الآن على أنها هي من فتح الباب أمام صعود اليمين المتطرف في بريطانيا.

مهّد حزب العمّال بقيادة ستارمر الطريق أمام كتلة التحالف المستقل التي يقودها كوربين كي تتحول اليوم إلى حركة جماهيرية من أجل التغيير. هذا هو الفرق الجوهري في الوضع السياسي منذ عام 2015 الذي أعاد إحياء التحدي السياسي لكوربين.

المصدر: موقع أخبار الأردن

© 2025 جميع الحقوق محفوظة - موقع أخبار الأردن

تقييم الخبر
يجب تسجيل الدخول للتقييم
متوسط التقييم: 0.0/5 (0 تقييم)