هل بقي أحد بريئاً من جريمة تجويع سكان غزة؟
السبيل – خاص
في قطاع غزة؛ لم تعد الأخبار تتحدث عن عدد القتلى فقط، بل عن عدد من لا يزالون على قيد الحياة وهم يتناقصون كل يوم، لا برصاص القناصة هذه المرة، بل بنصل المجاعة.
في الأزقة التي كانت تضجّ يوماً بحياة الأطفال؛ صار الصمت سيّد المكان. لم يعد صوت الجوع مجرد أنين خافت من طفل يبحث عن كسرة خبز، بل بات صرخة مكتومة في وجه عالم أصم.. طفلان يتناوبان على قشر برتقالة يابسة، وأمّ تغلي الماء في قدر فارغ فقط لتقنع صغارها أن “العشاء قادم”.. وأبٌ يفتش في القمامة عما يمكن أكله دون أن يُميت.
إنها المجاعة، نعم.. لكنها ليست كارثة طبيعية، ولا قضاءً عارضاً. إنها مجاعة صنعتها أيدٍ بشرية، حُبكت بخيوط الحصار، وباركتها صفقات السلاح، وصمتت عنها المنابر الدولية، وتواطأت فيها أطراف ادّعت الحياد بينما كانت تغذي آلة التجويع.
القطاع محاصر حتى من رائحة الخبز.. الأفران أغلقت أبوابها، الصيد توقف، المزارع جفّت، المساعدات لا تدخل إلا بالتنقيط.. إن دخلت. والأمم المتحدة تقول إن “نصف سكان غزة يواجهون خطر الموت جوعاً”، لكنها لا تفعل شيئاً سوى إصدار التقارير، وكأن الجوع في غزة حالة إحصائية، لا مأساة إنسانية.
أما الدول العربية؛ فتعقد مؤتمرات طارئة بلا طوارئ، وتصدر بيانات الإدانة بلغة خشبية لم تعد تُقنع حتى كاتبيها.. فيما شعوبها تهتف: “افتحوا الطريق.. الطعام لا يعرف السياسة”.
ومع هذا كله؛ يبقى الفلسطيني في غزة واقفاً، لا لأنه لا يشعر بالجوع، بل لأنه يعرف أن الركوع موت من نوع آخر.
هل هي مجاعة؟ ربما، لكن تسميتها الحقيقية: قتل بطيء.. قتل جماعي مدروس، لا يُنفَّذ بالرصاص، بل بتجويف البطون وتكسير الإرادة.. قتل لا يبحث عن موتٍ سريع، بل عن موتٍ مؤلم، معلّق على الهواء، يرى فيه العالم أجمع الضحية تتلوى، ولا يمدّ لها أحدٌ يد العون.
فهل مات الضمير الإنساني حقاً؟ أم أن غزة خُصّصت لتكون مرآة نرى فيها قبح تواطئنا؟
في غزة، لم يعد السؤال: من المسؤول؟ بل: هل تبقّى أحد بريئاً؟
The post هل بقي أحد بريئاً من جريمة تجويع سكان غزة؟ appeared first on السبيل.
المصدر: موقع أخبار الأردن
© 2025 جميع الحقوق محفوظة - موقع أخبار الأردن