أخبار الأردن - آخر الأخبار المحلية والعالمية أخبار الأردن

التهجير.. استراتيجية صهيونية بدأت قبل عقود وتتوحش الآن لابتلاع كل فلسطين

2025-07-08 1 مشاهدة محليات
  • الاحتلال يهدف للسيطرة على أكبر مساحة من أرض فلسطين بأقل عدد ممكن من سكانها الأصليين

يُشكل التهجير القسري حجر الزاوية في المشروع الصهيوني منذ انطلاقه قبل أكثر من قرن. لم يكن أبداً أثراً جانبياً للصراع، بل استراتيجية ثابتة وممنهجة تهدف إلى تحقيق هدف واحد: السيطرة على أكبر مساحة من أرض فلسطين بأقل عدد ممكن من سكانها الأصليين.

اقرأ أيضاً: على وقع الإبادة في غزة.. الضفة الغربية تواجه حملة تهجير وتدمير ممنهجة

وما يشهده الفلسطينيون اليوم، من تدمير وتهجير في قطاع غزة وتضييق وخنق في الضفة الغربية، ليس إلا الفصل الأكثر وحشية في هذه القصة الطويلة والمستمرة.

يستند هذا التقرير إلى وثائق تاريخية وتقارير حقوقية دولية لتوثيق "القصة الكاملة" لاستراتيجية التهجير الصهيونية عبر مراحلها المختلفة.

المرحلة الأولى: التهجير "القانوني" (ما قبل 1948)

قبل قيام دولة الاحتلال، بدأت الحركة الصهيونية بتنفيذ شكل من أشكال التهجير عبر القنوات "القانونية" والاقتصادية. فمن خلال "الصندوق القومي اليهودي" (JNF)، تم شراء مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية من كبار الملاك الإقطاعيين غير المقيمين (غالباً من عائلات لبنانية وسورية).

اقرأ أيضاً: الأطماع الصهيونية في منطقة الشرق الأوسط

وفقاً لمبادئ الصندوق، كانت هذه الأراضي تُعتبر "ملكية أبدية للشعب اليهودي"، ويُمنع بيعها أو تأجيرها لغير اليهود. وكانت النتيجة المباشرة طرد آلاف الفلاحين الفلسطينيين الذين كانوا يفلحون هذه الأراضي لأجيال، ليجدوا أنفسهم بلا أرض أو مصدر رزق. كانت هذه هي البداية لعملية اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، والتي مهدت الطريق للمرحلة التالية والأكثر عنفاً.

المرحلة الثانية: النكبة والتطهير العرقي الممنهج (1948)

شكل عام 1948 نقطة التحول من التهجير الاقتصادي إلى التطهير العرقي المنظم والعسكري. لم يغادر الفلسطينيون ديارهم طواعية كما يدّعي السرد الصهيوني، بل تم طردهم بشكل ممنهج عبر خطط عسكرية مدروسة.

تُعتبر "خطة دالت"، التي وضعتها قيادة الهاغاناه في مارس 1948، الوثيقة الأبرز التي تكشف هذه النية المبيتة. وكما يوثق مؤرخون إسرائيليون جدد، مثل إيلان بابيه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"، لم تكن "خطة دالت" خطة دفاعية، بل كانت دليلاً عملياتياً مفصلاً لقادة الميليشيات الصهيونية، يتضمن أوامر بـ "تدمير القرى (حرقاً، نسفاً، وزرعاً للألغام)، وخصوصاً تلك المراكز السكانية التي يصعب السيطرة عليها باستمرار".

ترافق تنفيذ الخطة مع ارتكاب عشرات المجازر التي هدفت إلى بث الرعب ودفع السكان إلى الهرب، وأشهرها مجزرة دير ياسين في أبريل 1948. وكانت نتيجة النكبة تهجير أكثر من 750,000 فلسطيني وتدمير ما يزيد عن 530 قرية ومدينة فلسطينية، وتحويل أصحاب الأرض إلى لاجئين.

المرحلة الثالثة: النكسة وأدوات الاحتلال البيروقراطية (1967 - الآن)

بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عام 1967، تطورت استراتيجية التهجير لتتخذ أشكالاً جديدة، تبدو "قانونية" وإدارية، ولكنها لا تقل وحشية في أهدافها. من أبرز هذه الأدوات:

هدم المنازل: تستخدم سلطات الاحتلال ذريعة "البناء دون ترخيص" لهدم آلاف المنازل الفلسطينية، خاصة في القدس الشرقية والمناطق المصنفة "ج" في الضفة الغربية، علماً بأن الحصول على هذه التراخيص شبه مستحيل للفلسطينيين.

مصادرة الأراضي وتوسيع الاستيطان: تُصادر مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية لأغراض عسكرية أو لإقامة المستوطنات، التي تُعتبر غير شرعية بموجب القانون الدولي. يشكل وجود المستوطنات وبنيتها التحتية (الطرق الالتفافية والجدار الفاصل) عوامل ضغط وطرد للمجتمعات الفلسطينية.

سحب الهويات المقدسية: تقوم سلطات الاحتلال بسحب هويات الإقامة من الفلسطينيين في القدس إذا "أثبتت" أن مركز حياتهم ليس في المدينة، وهي سياسة أدت إلى تهجير آلاف المقدسيين بصمت.

خلق بيئة قسرية: يساهم إرهاب المستوطنين، والقيود المفروضة على الحركة، وصعوبة الوصول إلى الموارد الأساسية كالماء والأراضي الزراعية، في جعل حياة الفلسطينيين في العديد من المناطق، خاصة في غور الأردن ومسافر يطا، لا تُطاق، مما يدفعهم إلى الرحيل.

المرحلة الحالية: وحشية غير مسبوقة في غزة وتصعيد في الضفة

ما نشهده اليوم، على وقع حرب الإبادة في قطاع غزة، هو تسريع وتكثيف لهذه الاستراتيجية.

في قطاع غزة، تجاوز الأمر كل المراحل السابقة، حيث تم تهجير ما يقارب 2 مليون فلسطيني (أكثر من 85% من السكان) قسراً داخل القطاع، مع تدمير ممنهج لأكثر من 70% من الوحدات السكنية، ومحو أحياء سكنية بأكملها من الخارطة. وتصاحب ذلك تصريحات من وزراء ومسؤولين في حكومة الاحتلال تدعو صراحة إلى "التهجير الطوعي" لسكان غزة، مما يكشف النية الحقيقية بجعل القطاع مكاناً غير قابل للحياة.

وفي الضفة الغربية، استغل الاحتلال انشغال العالم بغزة لتصعيد هجماته. فوفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤؤون الإنسانية (أوتشا)، تسارعت وتيرة هدم المنازل وعنف المستوطنين والاقتحامات العسكرية التي تدمر البنى التحتية، مما أدى إلى تهجير أكثر من 1200 فلسطيني من تجمعات رعوية منذ 7 أكتوبر 2023.

استراتيجية واحدة.. وأدوات متعددة

إن قصة التهجير في فلسطين ليست مجرد سلسلة من الأحداث المأساوية، بل هي استراتيجية واحدة متواصلة، بدأت بشراء الأرض وطرد الفلاحين، وتحولت إلى تطهير عرقي عسكري في النكبة، ثم اتخذت طابعاً بيروقراطياً وقانونياً خادعاً بعد الاحتلال، وها هي اليوم تصل إلى ذروة وحشيتها في غزة. الهدف لم يتغير: ابتلاع الأرض، ومحو شعبها، وتثبيت وقائع ديموغرافية وجغرافية تجعل من أي حل عادل أمراً مستحيلاً.

المصدر: موقع أخبار الأردن

© 2025 جميع الحقوق محفوظة - موقع أخبار الأردن

تقييم الخبر
يجب تسجيل الدخول للتقييم
متوسط التقييم: 0.0/5 (0 تقييم)