ارتفاع أسعار الذهب عبء يؤجل فرحة العمر للعرسان في الأردن
- معضلة الذهب: من "شبكة" الفرح إلى شبكة الديون
في قلب أسواق الذهب الصاخبة، لم يعد البريق الأصفر مجرد زينة تتباهى بها النساء أو استثمار آمن للمدخرات، بل تحول إلى مؤشر اقتصادي واجتماعي يعكس بشكل مباشر قدرة الشباب على تحقيق حلم الزواج وتكوين أسرة.
فمع كل قفزة جديدة في أسعار الذهب العالمية، تتسع الفجوة بين طموحات الشباب وواقعهم المالي، مما يضيف عبئاً جديداً فوق جبل التكاليف المرتفعة أصلاً، ويدفع بظاهرة "العزوف عن الزواج" إلى مستويات مقلقة.
لا يُعتبر الذهب في المجتمع الأردني مجرد هدية، بل هو ركن أساسي من أركان الزواج يُعرف بـ"الشبكة"، ويعتبر حقاً للعروس وجزءاً لا يتجزأ من التقاليد. ولكن مع وصول سعر غرام الذهب من عيار 21 إلى 67.80 ديناراً، أصبحت تكلفة "الشبكة" المتوسطة، التي تتراوح بين 30 إلى 50 غراماً، تقفز لتتجاوز مبلغ الـ 2700 دينار بسهولة، وهو رقم يمثل ثروة صغيرة بالنسبة لشاب في بداية مسيرته المهنية.
اقرأ أيضاً: "أحلام مؤجلة".. الأسباب الخفية وراء عزوف الشباب الأردني عن الزواج
وبحسب رأي أصحاب محلات بيع الذهب، فإنهم يشهدون تغيراً واضحاً في سلوك المستهلكين، حيث يقولون: "العديد من الشبان باتوا يطلبون أوزاناً خفيفة جداً أو يكتفون بقطع رمزية، وهناك فئة كبيرة تؤجل شراء الشبكة بالكامل إلى ما بعد الزواج، وهو ما لم يكن شائعاً في السابق. ارتفاع الأسعار أطفأ فرحة الشراء لدى الكثيرين".
ما هو أبعد من الذهب: فاتورة الزواج الكاملةويُفاقم الارتفاع الكبير في أسعار الذهب من حجم المشكلة، حيث ينضم إلى سلسلة من التكاليف المرتفعة التي حولت الزواج إلى مشروع معقد. وتشمل هذه التكاليف:
المهور المرتفعة: التي لا تزال بعض العائلات تصر عليها كجزء من حفظ مكانة ابنتهم.
تكاليف السكن: سواء استئجار أو شراء شقة، وتأثيثها بالكامل، وهو ما يتطلب قروضاً بنكية طويلة الأمد.
حفل الزفاف: الذي تحول إلى ساحة للمنافسة والمظاهر الاجتماعية، بتكاليف تتجاوز آلاف الدنانير لليلة واحدة.
يقول محمد (30 عاماً)، وهو موظف في القطاع الخاص: "قائمة المتطلبات لا تنتهي. عندما أبدأ بتجميع مبلغ لشراء الذهب، يرتفع إيجار الشقق. وعندما أجد حلاً للسكن، تكون تكاليف القاعة قد تضاعفت. نشعر بأننا في سباق مستمر ضد التضخم والمتطلبات الاجتماعية، والزواج هو خط النهاية الذي يبتعد كلما اقتربنا منه".
النتيجة الحتمية: تأجيل وعزوفأمام هذا الواقع المالي الصعب، لا يجد الكثير من الشباب، من الذكور والإناث على حد سواء، خياراً سوى تأجيل قرار الزواج لسنوات. فالفتاة أصبحت أكثر وعياً وتفضل الارتباط بشريك قادر على توفير حياة كريمة ومستقرة بدلاً من البدء بحياة مشتركة مثقلة بالديون، والشاب يجد نفسه عاجزاً عن تلبية الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية.
ويوضح الدكتور حسين الخزاعي، أستاذ علم الاجتماع، أن "العامل الاقتصادي هو المحرك الرئيسي لعزوف الشباب. فالزواج في نظرهم لم يعد مجرد استقرار عاطفي، بل هو التزام مالي ضخم. وعندما يصبح هذا الالتزام مستحيلاً، يكون التأجيل أو العزوف الكامل هو القرار العقلاني الوحيد من وجهة نظرهم".
وعليه، لم يعد ارتفاع أسعار الذهب مجرد خبر اقتصادي يهم المستثمرين، بل أصبح مؤشراً اجتماعياً خطيراً يمس عصب المجتمع وبنية الأسرة المستقبلية. فكلما زاد بريق المعدن الأصفر في البورصات العالمية، بهتت فرحة تكوين أسرة جديدة في عيون جيل كامل يواجه أصعب معادلة: تحقيق حلم شخصي في مواجهة واقع اقتصادي لا يرحم.
المصدر: موقع أخبار الأردن
© 2025 جميع الحقوق محفوظة - موقع أخبار الأردن