واقع أمتنا العربية

نحن أمة أنهكتها المفاهيم المقلوبة، وغرقت في وحل التبعية والخوف، حتى غدت تواسي نفسها بمقولة: “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين”، وكأنها أمة لا تُحسن غير الانتظار والركون.

أمة تقيس الخطر بعدد القتلى، وتنسى أن أعظم القتل هو قتل الروح… روح العزّة، والكرامة، والأنفة التي ما عادت تنبض في النفوس.

أمة تُعنى بالاحتلال العسكري، لكنها تغفل عن احتلالٍ أكثر دهاءً: احتلال ناعم، يتغلغل في مفاصلها، يوجه سياساتها، ويتحكم في قراراتها باسم التحالف والحماية والمساعدات.

أمة ظنّت أن ناطحات السحاب دليل تقدمها ورقيها، بينما عقول أبنائها لا تزال حبيسة أقبية مظلمة لا يصلها نور العلم ولا وهج الوعي.

أمة ظنّت أن النصر والهزيمة مرهونان بنتيجة مباراة كرة قدم، حتى أصبحت العقول تركع تحت الأقدام، بدل أن تعانق السماء بهمّة وإباء.

أمة تُكرم أبناء عدوها، وتمنحهم العزة والكرامة، بينما تسجن شرفاءها، وتُطارد أسودها، وتُضيّق الخناق على أحرارها.

أمة اعتادت أن تأكل من فتات موائد الأجانب، وتستجدي المساعدات، مقابل أن تكون أداةً طيّعة تنفّذ أجندات من يعبث بمستقبلها ومصيرها.

أمة انشغلت بقضايا هامشية، وتنازعت حول أحداث من الماضي، بينما قضاياها المصيرية المعاصرة تُجهل وتُهمّش، فلا فقه للأولويات، ولا موازنة بين المهم والأهم.

أمة يشعر فيها الشاب الحر بالغربة داخل وطنه، ويجد الأمن خارج حدوده، وكأن الأوطان صارت سجونًا، والمنافي ملاذًا.

أمة لا يجد فيها العالِم مكانته، فهو مجرد رقم لا يُسمع لصوته، ولا يُحسب لرأيه حساب.

أمة بات الإصلاح عندها دعاءً يُتلى في المحاريب دون عمل، وتمنّيًا لا يرافقه سعي، وسكونًا يخالف السنن الإلهية.

أمة ينتظر فيها كل فرد أن يضحي غيره، ويُؤثر السلامة على المضي في درب التغيير، وكأن المسؤولية لا تبدأ إلا من الآخرين.

أمة تتواصى بالحذر والسكوت والجبن، بدل أن تتواصى بالحق والصبر والثبات.

أمة شعارها الشكوى، ولغتها التذمر، وإذا نطق أحدهم بكلمة حق، وُصِم بالتهور والطيش، وكأن الشجاعة عيب والصدق جرم.

أمة تنتظر أن يُصلح الله حالها، دون أن تسعى لإصلاح ذاتها، ونسيت أن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

إنها أمة شطبت من معاجمها كلمة “الجهاد”، التي هي ذروة سنام الإسلام، فكيف لمن نسي سنامه أن يبلغ قمته؟!

The post واقع أمتنا العربية appeared first on السبيل.