هل نحن مهيؤون للحرب؟
اليوم تتزاحم النكبات وتتنافس الأزمات على دور البطولة، فيلحّ عليّ سؤال لا يهدأ: هل نحن، فعلًا، مستعدون للحرب؟
ولكي لا يُساء الفهم، دعونا نضع السيوف والبنادق جانبًا للحظة، فالحرب التي أقصدها لا تبدأ بإطلاق النار، بل بانطفاء الكهرباء، لا تنفجر بالقنابل، بل بانفجار الأسعار، الحرب التي أتحدث عنها تبدأ عندما تجد نفسك محاصرًا ليس فقط بالجيوش، بل بالاحتياج، بالعجز، بالاعتماد الكلي على الآخرين في أبسط مقومات الحياة: الكهرباء، الماء، الطعام، والدواء.
ولنكن صريحين: نحن لسنا مهيئين.
أنا أنتمي لعائلة فلاحين، جذوري مزروعة في الأرض التي عاش منها أجدادي، لكنني – وبكل فخرٍ مخلوطٍ بشيء من الخجل – لم أزرع يومًا حبة عدس في صحن قطن، ولا خطر ببالي أن أتعلم كيف أزرع أو أحصد أو أخزن. كانت الزراعة بالنسبة لي مثل أفلام الأبيض والأسود: جميلة، لكنها لا تشبه حياتي.
ثم جاء حصار غزة.
حينها، بدأت العمل في مؤسسة تُعنى بالسيادة على الغذاء، بدأت أفهم أن الجوع ليس فقط حالة طارئة بل استراتيجية وسلاح، وأن الاعتماد الكامل على “السوق العالمية” يعني أن تعيش في خطر مزمن. فهمت أن من لا ينتج خبزه، لا يملك قراره، وأن من لا يستطيع أن يسقي نفسه، سيُجرّ جوعًا إلى أي طاولة تفاوض.
فالشعوب التي لا تستطيع حماية نفسها بنفسها، لن تنجو طويلًا، لن تُحترم، ولن يُؤخذ صوتها على محمل الجد، هي شعوب تعيش دومًا تحت التهديد، حتى حين تظن أنها بأمان. ومن ينتظر “الحماية” من الخارج، فعليه أن يرضى بأن يُسحق تحت أحذية من يقدّم له هذه الحماية؛ لأن الحامي لا يفعل ذلك مجانًا، بل يطلب الولاء، والموارد، والسيادة كاملة.
الشعوب التي لا تمسك مصيرها بيديها تُداس، حتى وإن أُطعمَت.
في ذلك الوقت، بدأت أطرح السؤال بجدية: هل البقاء رفاهية، أم مهارة؟
اليوم أؤمن أن الديناصورات لم تنقرض بسبب المذنب كما يقولون، بل ربما لأنها كانت طول عمرها معتمدة على غيرها. لم يأتِ أحد لإطعامها حين اشتد الجوع، لأن “الغير” كان مشغولًا بإنقاذ نفسه.
هكذا تفنى الكائنات التي لا تعرف كيف تعتني بنفسها.
فدعونا نعيد طرح السؤال: هل نعرف كيف نزرع شتلة طماطم على الشرفة؟ كيف نُقطّر ماءً من الهواء؟ هل نعرف أن نشعل نارًا دون ولاعة؟ أن نحضّر وجبة بمكونات لا تحتاج تبريدًا؟ أن نعيش يومًا – فقط يومًا – بلا إنترنت أو ثلاجة أو فواتير؟
هل نحن جاهزون لأن نكون “بدائيين” بحكمة؟ لا كهروب من الحضارة، بل كمناعة ضد الانهيار؟
من ناحيتي، بدأت أحاول: أقرأ عن التخزين التقليدي، أتعلم كيف أصنع صابونًا من زيت مستعمل، وأتمرن على تقليل استهلاكي للكهرباء وكأني أعيش تحت الحصار؛ لأنني أعلم أننا قد نعيشه فعلًا، أو ما هو أسوأ.
هذه ليست نغمة تشاؤم، بل إنذار مبكر.
دعوة لأن نعيد تعريف “التقدم” لا كترف، بل كقدرة على الصمود.
فمن لا يملك مهارات البقاء، لا يملك ترف الحلم، ولا حتى حق المطالبة بمستقبل حر.
The post هل نحن مهيؤون للحرب؟ appeared first on السبيل.
المصدر: موقع أخبار الأردن
© 2025 جميع الحقوق محفوظة - موقع أخبار الأردن