من غزة إلى طهران.. حين تعيد المقاومة حسابات القوة في الشرق الأوسط
السبيل – خاص
منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، بدت “إسرائيل” وكأنها تخوض معركة محسومة، مزوّدة بتفوق عسكري هائل، ودعم غربي مفتوح، وإسناد سياسي لا محدود.
ومع ذلك، وبعد أكثر من 20 شهراً من القصف المستمر، والحصار الخانق، والتجويع المنهجي؛ لم تنجح في كسر شوكة القطاع الصغير المحاصر.. لم تسقط المقاومة، رغم تدمير البنية التحتية بالكامل، وسقوط عشرات آلاف الشهداء، ومأساة إنسانية غير مسبوقة في العصر الحديث.
غزة لم تكن تمتلك جيشاً نظامياً ولا غطاءً جوياً، بل واجهت آلة عسكرية من أقوى ما أنتجته التكنولوجيا الغربية الحديثة، مدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة وبريطانيا.
ورغم هذا الاختلال في ميزان القوى؛ استطاعت غزة أن تثبت معادلة استراتيجية غير متوقعة: الصمود بحد ذاته، هو شكل من أشكال الانتصار. بل وأكثر من ذلك؛ فقد فرضت واقعاً ميدانياً واستنزافياً أجبر قيادة الاحتلال على مراجعة خياراتها، وخلق مأزقاً سياسياً وأمنياً داخلياً لم تشهده منذ عقود.
وتكتسب هذه الحقيقة وزناً أكبر عندما نضعها في سياق المواجهة المتسارعة بين “إسرائيل” وإيران. فالكيان التي لم يستطع إخضاع مدينة محاصرة؛ يندفع الآن نحو صراع مفتوح مع قوة إقليمية كبرى تمتلك ترسانة عسكرية متطورة، وعمقاً استراتيجياً واسعاً، وشبكة من الحلفاء الفاعلين في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
الخطأ في الحسابات لم يكن عسكرياً فقط، بل سياسي واستراتيجي أيضاً. فـ”إسرائيل” ظنّت أن تصعيدها مع إيران سيعيد ترميم قوة ردعها المتآكلة، ويوجه رسالة حاسمة إلى خصومها، لكن ما حدث هو العكس تماماً، فالهجوم الإيراني المباشر في أبريل 2024، وما تبعه من تصعيد متدرّج، شكّل سابقة خطيرة في تاريخ الاشتباك الإسرائيلي – الإيراني، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع المفتوح الذي لا يمكن التحكم بمآلاته.
وإذا كانت “إسرائيل” قد فشلت في إنهاء مقاومة محلية في غزة؛ فإن تورطها في صراع مع قوة بحجم إيران سيضاعف من التحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تواجهها داخلياً وخارجياً.
لكن المغزى الأعمق لهذا المشهد يكمن في أن غزة، رغم كل ظروفها، أصبحت المرجع الأخلاقي والرمزي للمقاومة في المنطقة، وتحوّلت إلى نموذج يُحتذى، ليس فقط من قِبل الحركات المسلحة، بل من قِبل كل من يرى في الاحتلال والاستعمار خطراً مستمراً على كرامة الشعوب. فالتجربة الغزّية لم تعد مجرد حدث فلسطيني، بل أضحت ظاهرة سياسية واستراتيجية تُلهم محاور مقاومة أوسع في المنطقة، وتؤثر على سلوك دول وحركات وتنظيمات في أكثر من ساحة.
وبالتالي؛ فإن ما يجري ليس مجرد تصعيد عابر، بل إعادة تشكيل لميزان القوى في الإقليم. وكانت المقاومة في غزة، بما قدّمته من صمود غير متوقع، الشرارة التي كشفت ضعف مركز الثقل الإسرائيلي، ومهّدت لمرحلة جديدة من المواجهة يتغير فيها شكل الردع، وتُختبر فيها قدرة “إسرائيل” على الصمود أمام خصوم أكثر تنظيماً وقوة.
غزة لم تنتصر عسكرياً بالمعنى التقليدي، لكنها أسقطت افتراضات مركزية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وفتحت باباً لمعادلات جديدة لم تكن مطروحة قبل أكتوبر 2023. أما اليوم؛ فإسرائيل تجد نفسها أمام استحقاقات معقدة لا تملك فيها خيار النصر السهل، ولا حتى الانسحاب الآمن.
The post من غزة إلى طهران.. حين تعيد المقاومة حسابات القوة في الشرق الأوسط appeared first on السبيل.
المصدر: موقع أخبار الأردن
© 2025 جميع الحقوق محفوظة - موقع أخبار الأردن