الفيتو الأمريكي.. شرعنة الإبادة في غزة بأدوات قانونية وتعطيل ممنهج للعدالة الدولية
السبيل – خاص
في خطوة غير مفاجئة، استخدمت الولايات المتحدة، مساء الأربعاء، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإسقاط مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، رغم تأييد 14 عضواً من أصل 15 في المجلس.
وكان القرار الذي صاغته الجزائر بالنيابة عن الدول غير الدائمة العضوية، يحمل مضامين إنسانية واضحة: وقف إطلاق النار، رفع الحصار عن غزة، إدخال المساعدات دون شروط، والإفراج المتبادل عن الأسرى. ومع ذلك، قررت واشنطن إحباطه، في خطوة تؤكد مجدداً أن دعمها الاحتلال الإسرائيلي لم يعد مقتصراً على المستوى العسكري أو المالي، بل أصبح يشمل تعطيل كل مسعى أممي نحو إنهاء الحرب أو مساءلة مرتكبي الجرائم.
وتخطت السياسة الأمريكية تجاه العدوان على غزة حدود الانحياز لتصل إلى مرحلة التواطؤ الكامل؛ فبينما تغرق غزة في دماء أهلها وسط قصفٍ وتدميرٍ ممنهج، تتولى واشنطن دور الحامي الدائم للاحتلال داخل مجلس الأمن. واستخدامها المتكرر للفيتو، كما حدث أيضاً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يعكس إصراراً على حماية الاحتلال من أي مساءلة دولية، ومنح تفويض غير معلن بمواصلة الإبادة.
النتيجة على الأرض واضحة: أكثر من 180 ألف شهيد وجريح، آلاف المفقودين، ودمار شبه كلي للبنية التحتية في القطاع، وسط مجاعة تحصد أرواح الأطفال والمرضى. ومع ذلك؛ تصر الإدارة الأمريكية على وصف هذه الحرب بأنها “دفاع عن النفس”، في خطاب سياسي يُكرّس ازدواجية المعايير الدولية ويقوّض شرعية القانون الدولي.
تعطيل ممنهج للمنظومة الأممية
الفيتو الأمريكي لا يُعطل فقط قراراً إنسانياً، بل يعطل دور الأمم المتحدة ككل، ففي كل مرة تُقدَّم فيها مبادرة لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات أو محاسبة الجناة، تتدخل واشنطن لنسفها، مستخدمة موقعها كدولة دائمة العضوية أداةً لتصفية الحسابات السياسية، لا لحفظ الأمن والسلم الدوليين.
ويكشف هذا التعطيل الممنهج خللاً بنيوياً في مجلس الأمن، حيث باتت قوة الفيتو تمنح بعض الدول قدرة على تسيير القرارات الدولية بما يخدم مصالحها وتحالفاتها فقط، ولو على حساب حياة مئات الآلاف من المدنيين.
ويخفي التبرير الأمريكي للفيتو أجندات سياسية أوسع؛ فالإدارة الأمريكية، تحت ضغط اللوبيات الداعمة للاحتلال، تستخدم الفيتو ليس فقط لحماية حليف، بل أيضاً لحماية إستراتيجيات نفوذها الإقليمي، ومنع أي تغيّر محتمل في موازين القوى أو في المشهد السياسي الفلسطيني.
ويوجّه الفيتو الأمريكي رسالة واضحة تقول إن أي مبادرة لا تُخضِع الفلسطينيين بالكامل للشروط الإسرائيلية – بما في ذلك نزع السلاح، وتكريس الاحتلال كأمر واقع – لن تمر. وهذا الموقف لا يهدد مستقبل غزة فقط، بل يقوّض إمكانية أي تسوية عادلة في المنطقة على المدى البعيد.
وطالما أسهم الفيتو الأمريكي على مدى سنوات في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب لدى الاحتلال؛ إذ لم تجرِ أي مساءلة دولية حقيقية على مجازر غزة، أو على التوسع الاستيطاني، أو على حصار دام أكثر من 18 عاماً. والنتيجة: يُدفن الشهداء الفلسطينيون دون تحقيق، ودون محاسبة، في مشهدٍ يعكس انهياراً شبه كامل للمنظومة الحقوقية الدولية.
إن استمرار استخدام الفيتو لإجهاض مطالب وقف القتل الجماعي، ومعاقبة الضحية بدل الجلاد، يجعل من القانون الدولي مجرد أداة بيد الأقوياء، ويفتح المجال أمام ممارسات مشابهة في مناطق أخرى من العالم، حيث قد تسعى قوى أخرى إلى تكرار التجربة الأمريكية في شرعنة القمع عبر أدوات “قانونية”.
وفي ظل هذا الواقع، فإن الكارثة التي تعيشها غزة لن تبقى وصمة على جبين الاحتلال فحسب، بل أيضاً على جبين النظام العالمي برمّته الذي يقف عاجزاً، وربما غير راغب في كبح آلة القتل المدعومة من أقوى دولة في العالم.
The post الفيتو الأمريكي.. شرعنة الإبادة في غزة بأدوات قانونية وتعطيل ممنهج للعدالة الدولية appeared first on السبيل.
المصدر: موقع أخبار الأردن
© 2025 جميع الحقوق محفوظة - موقع أخبار الأردن