مبادرة هجينة تحمل بصمات الاحتلال.. قراءة في المبادرة الأمريكية لوقف إطلاق النار بغزة
السبيل – عمان
وسط تعثّر المبادرات السياسية وتعقّد المشهد الإقليمي، تكشف التطورات الأخيرة بشأن مقترحات التهدئة في غزة عن خفايا لعبة دبلوماسية تتقاطع فيها المصالح الإسرائيلية مع الأجندة الأمريكية.
فبينما تُسوّق واشنطن مبادرتها الجديدة عبر مبعوثها ستيف ويتكوف بوصفها محاولة “متوازنة” لإنهاء الحرب، يرى محللون فلسطينيون أنها ليست سوى تعديل مُخِلّ على مبادرة سابقة وافقت عليها المقاومة، تم اجتزاؤها لتتناسب مع المطالب الإسرائيلية.
مبادرة هجينة
في هذا السياق، قال الخبير العسكري والمحلل السياسي نضال أبو زيد إن المبادرة التي طُرحت مؤخرًا من قبل المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف وحظيت بموافقة إسرائيلية فورية، “تكشف عن دور إسرائيلي مباشر في صياغتها”، مشيرًا إلى أنها “ليست مبادرة جديدة بقدر ما هي نسخة هجينة ومفرغة من المضمون، مشتقة من المبادرة السابقة التي وافقت عليها المقاومة”.
وأوضح أبو زيد أن “التعديل الأبرز في هذه المبادرة تمثّل في نزع جوهر المبادرة الأصلية، الذي كان يتركز على نقطتين أساسيتين: أولاً، الحصول على ضمانات أمريكية لأي اتفاق تفاوضي، وثانيًا، وضع آلية واضحة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة”.
وأضاف أن “النسخة الجديدة تجاهلت كليًا بند الضمانات الأمريكية، واكتفت بالنص على وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 60 يومًا، يتم خلاله تنفيذ عمليات تبادل للأسرى، مع إمكانية تمديد التهدئة دون التطرّق إلى أي ضمانات، وهو ما يتعارض تمامًا مع مطالب المقاومة”.
وأشار إلى أن “بند المساعدات الإنسانية أيضًا جاء فضفاضًا، حيث نصّت المبادرة على أن تتم بإشراف الأمم المتحدة، دون وجود جدولة زمنية أو آليات تنفيذ واضحة، وهو ما يعيدنا إلى ذات الإشكاليات التي واجهتها المبادرة الأولى، والتي التزمت بها إسرائيل في مرحلتها الأولى فقط، ثم انقلبت عليها لاحقًا”.
وبيّن أبو زيد أن “المقاومة تنبّهت على أن المبادرة الحالية تهدف بشكل أساسي إلى استعادة أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين، ثم العودة إلى العمليات العسكرية في غزة، مستفيدة من تجربة سابقة أكدت أن إسرائيل تنقلب على الاتفاقات بمجرد تحقيق أهدافها المرحلية”.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن “اليمين الإسرائيلي المتطرّف، الذي يقود الحكومة الحالية، لا يخفي توجهه نحو استمرار القتال، وأن تهديدات بن غفير بالانسحاب من الحكومة لم تعد تثير قلق نتنياهو، خصوصًا بعد أن شكّل الأخير معادلة مقايضة مع سموتريتش، عبر تمرير تشريعات لإقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية مقابل ضمان استمرار دعم الأخير للائتلاف الحكومي”.
وأكد أبو زيد أن “نتنياهو وافق على المبادرة وهو مطمئن إلى أن حكومته لن تتأثر سياسيًا، بل استثمرها لتعزيز استقرار حكومته داخليًا”.
وعن موقف المقاومة، قال أبو زيد إن “الفصائل لم تُبدِ حتى اللحظة موقفًا علنيًا بالموافقة أو الرفض، وهو ما يشير إلى أنها بصدد استمزاج موقف الميدان العسكري”.
وتوقع أنه “في حال أُجريت تعديلات على الملحق الإنساني، لا سيما المتعلق بالمساعدات إلى غزة، فقد تكون هناك موافقة مشروطة من المقاومة”.
وزاد: “أعتقد أننا مع دخول شهر يونيو، وقبل حلول عيد الأضحى، قد نكون أمام مبادرة معدّلة تُرضي الأطراف المختلفة، وتُنقل الصراع من ساحات القتال إلى طاولة المفاوضات.”
وفي سياق متصل، شدّد أبو زيد على أن “ما يُثار حول وجود توتر في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، يحتاج إلى توضيح دقيق. فالمشكلة، كما قال، ليست بين أمريكا وإسرائيل، بل بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو تحديدًا، بسبب اختلاف في أدوات إدارة بعض الملفات الإقليمية”.
وأكد أن “الولايات المتحدة لن تُجازف بعلاقتها الاستراتيجية مع إسرائيل، لكنها قد تضحي بنتنياهو نفسه إن اقتضت مصالحها ذلك”. مضيفًا: “أمريكا لا تفكّر بمصالح غزة أو العالم العربي، بقدر ما تسعى للحفاظ على إسرائيل كقوة رادعة وشرطي إقليمي.”
واعتبر أن المبادرات الحالية، وعلى رأسها مبادرة ويتكوف، “تمثل محاولة أمريكية لـإنقاذ إسرائيل من مأزق قطاع غزة، بعد أن وصلت عملياتها العسكرية إلى طريق مسدود، ولم تعد قادرة على تحقيق أهدافها المعلنة”.
وختم قائلاً: “المبادرة جاءت بصياغة تُنقذ ما تبقى من صورة إسرائيل الإقليمية، وتحميها من السقوط السياسي والعسكري في مستنقع غزة”.
انحياز للرؤية الإسرائيلية
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة “الأمة” في غزة، إياد القطراوي، إن تقديم المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف مقترحًا جديدًا لحركة “حماس” يُشير منطقيًا إلى وجود مقترح سابق لم يُعتمد، مرجّحًا أن يكون قد رُفض أو تم التحفّظ عليه من الجانب الإسرائيلي، خاصة أن “حماس” كانت قد أعلنت موافقتها عليه بشكل علني.
وأضاف في حديث لـ”قدس برس” أن “طرح مقترح بديل لا يحدث عادةً إلا عندما تبرز عقبة جوهرية تعيق التقدم في المسار التفاوضي، ما يستدعي تعديلاً في الصيغة المطروحة”.
وأشار إلى أن “المقترح الأول حظي بقبول لدى حماس، وربما تضمّن بنودًا أقل تشددًا فيما يتعلق بنزع سلاح المقاومة أو بتركيبة الحكومة المستقبلية في غزة. لكن الحكومة الإسرائيلية، على الأرجح تحت ضغط داخلي أو بدافع حسابات تتعلق بملف الأسرى، رفضت المقترح إما بصورة مباشرة أو عبر شروط مضادة أفرغته من مضمونه”.
وتابع القطراوي: “لذلك جاء المقترح الجديد من ويتكوف كمحاولة لتقريب وجهات النظر، لكنه بدا أكثر انحيازًا للرؤية الإسرائيلية، ما يعني عمليًا التراجع عن بعض البنود التي كانت مقبولة لحماس”.
وختم بالقول: “من الطبيعي الاستنتاج أن رفض إسرائيل للمقترح الأول هو ما دفع باتجاه طرح مقترح جديد، وهو ما يكشف أن الطرف المعرقل للمبادرة الأمريكية هو إسرائيل. لكن اللافت أن ويتكوف لم يحمّلها المسؤولية، بل مضى في تعديل المبادرة لتلائم شروطها، ضاغطًا على حماس ومظهرًا إياها كأنها الطرف المعطِّل للصفقة، رغم أن السلوك الأمريكي لا يعكس موقفًا متوازنًا كما تدّعي واشنطن، بل يتماهى بوضوح مع الموقف الإسرائيلي”.
“حماس” تدرس المقترح
وقالت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إن قيادتها استلمت، الخميس الماضي، مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والخاص بإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وشددت “حماس” في بيان لها، على أن قيادة الحركة “تدرس هذا المقترح بمسؤولية وبما يحقق مصالح شعبنا وإغاثته وتحقيق وقف إطلاق دائم لإطلاق النار”.
ويشير بيان حركة “حماس” الذي صدر يوم الخميس (29 أيار/مايو)، إلى أن ويتكوف، ربما تراجع عن مقترحاته التي وافقت عليها الحركة، بعد رفض “إسرائيل” لها، وقام بتقديم مقترح جديد.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد استأنف فجر 18 آذار/مارس 2025 عدوانه وحصاره المشدد على قطاع غزة، بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيّز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، غير أن الاحتلال خرق بنود الاتفاق طيلة فترة التهدئة.
وبدعم أمريكي وأوروبي، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 175 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود.
قدس برس
The post مبادرة هجينة تحمل بصمات الاحتلال.. قراءة في المبادرة الأمريكية لوقف إطلاق النار بغزة appeared first on السبيل.
المصدر: موقع أخبار الأردن
© 2025 جميع الحقوق محفوظة - موقع أخبار الأردن